سورة يوسف - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)}
{قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ} هو وكان رأيه فيه أهون شرًا من رأى غيره وهو القائل: {فَلَنْ أَبْرَحَ الارض} [يوسف: 80] إلخ القاله السدى.
وقال قتادة. وابن إسحق: هو روبيل، وعن مجاهد أنه شمعون، وقيل: دان، وقال بعضهم: إن أحد هذين هو القائل: {اقتلوا يُوسُفَ} الخ، وأما القائل: {لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ} [يوسف: 9] فغيره، ولعل الأصح أنه يهوذا.
قيل: وإنما لم يذكر أحد منهم باسمه سترًا على المسيءوكل منهم لم يخل عن الإساءة وإن تفاوتت مراتبها، والقول بأنه على هذا لا ينبغي لأحد أن يعين أحدًا منهم باسمه تأسيًا بالكتاب ليس بشيء لأن ذلك مقام تفسير وهو فيه أمر مطلوب، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا كأن سائلًا سأل اتفقوا على ما عرض عليهم من خصلتي الصنيع أم خالفهم في ذلك أحد؟ فقيل: قال قائل منهم: {لاَ تَقْتُلُواْ} الخ، والاتيان بيوسف دون ضميره لاستجلاب شفقتهم عليه واستعظام قتله وهو هو مانه يروى أنه قال لهم: القتل عظيم ولم يصرح بنهيهم عن الخصلة الأخرى، وأحاله على أولوية ما عرضه عليهم بقوله: {وَأَلْقُوهُ فِى غَيَابَةِ الجب} أي في قعره وغوره سمي به لغيبته عن عين الناظر، ومنه قيل للقبر: غيابة، قال المنخل السعدي:
إذا أنا يومًا غيبتني غيابتي *** فسيروا بسيري في العشيرة والأهل
وقال الهروي: الغيابة في الجب شبه كهف. أو طاق في البئر فوق الماء يغيب ما فيه عن العيون، والجب الركية التي لم تطو فإذا طويت فهي بئر قال الأعمش:
لئن كنت في جب ثمانين قامة *** ورقيت أسباب السماء بسلم
ويجمع على جبب. وجباب. وأجباب، وسمي جبًا لأنه جب من الأرض أي قطع، وسيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى الكلام فيتأنيثه وتذكيره.
وقرى نافع في غيابات في الموضعين كأن لتلك الجب غيابات، ففيه إشارة إلى سعتها، أو أراد بالجب الجنس أي في بعض غيابات الجب، وقرأ ابن هرمز غيابات بتشديد الياء التحتية وهو صيغة مبالغة، ووزنه على ما نقل صاحب اللوامح يجوز أن يكون فعالات كحمامات، ويجوز أن يكون فيعالات كشيطانات في جمع شيطانة، وقرأ الحسن غيبة بفتحات على أنه في الأصل مصدر كالغلبة، ويحتمل أن يكون جمع غائب كصانع وصنعة، وفي حرف أبيّ رضي الله تعالى عنه غيبة بسكون الياء التحتية على أنه مصدر أريد به الغائب.
{يَلْتَقِطْهُ} أي يأخذه على وجه الصيانة عن الضياع والتلف فان الالتقاط أخذ شيء مشرف على الضياع كذا قيل، وفي مجمع البيان هو أن يجد الشيء ويأخذه من غير أن يحسبه، ومنه قوله:
ومنهل وردته التقاطًا ***
{بَعْضُ السيارة} أي بعض جماعة تسير في الأرض وأل في السيارة كما في الجب وما فيهما، وفي البعض من الابهام لتحقيق ما يتوخاه من ترويج كلامه وافقته لغرضهم الذي هو تنائى يوسف عليه السلام عنهم بحيث لا يدري أثره ولا يروى خبره، وقرأ الحسن تلتقطه على التأنيث باعتبار المعنى كما في قوله:
إذا بعض السنين تعرفتنا *** كفى الأيتام فقد أبى اليتيم
وجاء قطعت بعض أصابعه وجعلوا هذا من باب اكتساب المضاف من المضاف إليه التأنيث كقوله:
كما شرقت صدر القناة من الدم ***
{إِن كُنتُمْ فاعلين} أي إن كنتم عازمين مصرين على أن تفعلوا به ما يفرق بينه وبين أبيه أو إن كنتم فاعلين شورتي ورأيي فألقوه الخ، ولم يبت القول لهم بل عرض عليهم ذلك تأليفًا لقلوبهم وتوجيهًا لهم إلى رأيه وحذرًا من سوء ظنهم به؛ ولما كان هذا مظنة لسؤال سائل يقول: فما فعلوا بعد ذلك هل قبلوا رأيه أم لا؟ فأجيب على سبيل الاستئناف على وجه أدرج في تضاعيفه قبولهم له بما شيجيى إن شاء الله تعالى من قوله سبحانه: {وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب} [يوسف: 15]


{قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11)}
{قَالُواْ يأَبَانَا} خاطبوه عليه السلام بذلك تحريكًا لسلسلة النسب وتذكيرًا لرابطة الأخوة ليتسببوا بذلك استنزاله عن رأيه في حفظه منهم لما أحس بحسدهم فكأنهم قالوا: {مالك} أي أيّ شيء {لاَتَأْمَنَّا} لا تجعلنا أمناء {دَخَلُواْ على يُوسُفَ} مع أنك أبونا ونحن بنوك وهو أخونا {وَإِنَّا لَهُ لناصحون} مريدون له الخير ومشفقون عليه ليس فينا ما يخل بذلك، وجملة {لاتأمنا} في موضع الحال، وكذا جملة {يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لناصحون} والاستفهام الك فيه معنى التعجب، والكلام ظاهر في أنه تقدم منهم سؤال أن يخرج عليه السلام معهم فلم يرض أبوهم بذلك.
وقرأ الجمهور {لاَ تَأْمَنَّا} بالادغام والإشمام، وفسر بضم الشفتين من انفراج بينهما إشارة إلى الحركة مع الادغام الصريح كما يكون في الوقف وهو المعروف عندهم وفيه عسر هنا، ويطلق على إشراب الكسرة شيئًا من الضمة كما قالوا في قيل، وعلى إشمام أحد حرفين شيئًا من حرف آخر كما قالوا في الصراط، وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما. وأبو جعفر. والزهري. وعمرو بن عبيد بالادغام من غير إشمام، وإرادة النفي ظاهرة، وقرأ ابن هرمز بضم الميم مع الادغام، وهذه الضمة منقولة إلى الميم من النون الأولى بعد سلب حركتها.
وقرأ أبي. والحسن. وطلحة بن مصرف. والأعمش لا تأمننا بالاظهار وضم النون على الأصل، وهو خلاف خط المصحف لأنه بنون واحدة، وقرأ ابن وثاب. وأبو رزين لا تيمنا بكسر حرف المضارعة على لغة تميم؛ وسهل الهمزة بعد الكسرة ابن وثاب، ولم يسهل أبو رزين.
وأخرج ابن المنذر. وأبو الشيخ عن عاصم أنه قرأ بذلك حضر عبيد بن فضلة فقال له: لحنت، فقال أبو رزين: مالحن من قرأ بلغة قومه.


{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)}
{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا} نصب على الظرفية الزمانية وهو يطلق على اليوم الذي يلي يومك، وعلى الزمن المستقبل مطلقًا، وأصله غدو فحذفت لامه وقد جاء تاما أي ابعثه معنا غدًا إلى الصحراء {يَرْتَعْ} أي يتسع في أكب الفواكه ونحوها، وأصل معنى الرتع أن تأكل وتشرب ما تشاء في خصب وسعة، ويقال: رتع أقام في خصب وتنعم، ويسمى الخصب رتعة بسكون التاء وفتحها، وذكر الراغب أن الرتع حقيقة في أكل البهائم ويستعار للإنسان إذا أريد به الأكل الكثير، وعلى ذلك قوله:
وإذ يخلو له الحمى رتع ***
{وَيَلْعَبْ} بالاستباق والانتضال ونحوهما مما يتدرب به لقتال العدو، وليس المراد لعب لهو وإلا لم يقرّهم عليه يعقوب عليه السلام وإنما عبروا عن ذلك به لكونه على هيئته تحقيقًا لما رموه من استصحاب يوسف عليه السلام بتصويرهم له بصورة ما يلائم حاله عليه السلام من صغر السن، وقرأ الجمهور {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} بالياء والجزم، والابنان. وأبو عمرو بالنون والجزم، وكسر العين الحرميان، واختلف عن قنبل في إثبات الياء وحذفها، ويروى عن ابن كثير نرتع بالنون {وَيَلْعَبْ} بالياء، وهي قراءة جعفر بن محمد، وقرأ العلاء بن سيابة {يَرْتَعْ} بالياء وكسر العين مجزومًا محذوف اللام {وَيَلْعَبْ} بالياء أيضًا وضم الباء على أنه مستأنف أو خبر مبتدأ محذوف أي وهو يلعب.
وقرأ مجاهد. وقتادة. وابن محيصن نرتع بنون مضمونة وعين ساكنة من أرتعنا ونلعب بالنون أيضًا، وكذلك أبو رجاء إلا أنه بالياء التحتية فيهما، والقراءتان على حذف المفعول أي نرتع المواشي أو غيرها، والفعلان في هذه القراآت كلها مبنيان للفاعل.
وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} بالياء والبناء للمفعول فيهما، وخرج ذلك على أن نائب الفاعل ضمير غد، والأصل يرتع فيه ويلعب فيه، ثم حذف الجار واتسع فعدى الفعل للضمير فصار يرتعه ويلعبه، ثم بنى للمفعول فاستتر الضمير الذي كان منصوبًا لكونه نائبًا عن الفاعل، ومن كسر العين من الفعل الأول فهو عنده من المراعاة على ما روي عن مجاهد أي يراعى بعضنا بعضًا ويحرسه.
وقال ابن زيد: من رعى الإبل أن نتدرب في الرعي وحفظ المال، أو من رعى النبات والكلأ، والمراد نرعى مواشينا إلا أنه أسند ذلك إليهم مجازًا، أو تجوز عن أكلهم بالرعي، وضعف ابن عطية القراءة بإثبات الياء، وقال: إن إثباتها في مثل هذا الموضع لا يجوز إلا في الشعر كقوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمي *** بما لاقت لبون بني زياد
وقيل: إن تقدير حذف الحركة في الياء ونحوها للجازم لغة وليس من الضرورة في شيء، وأخرج أبو الشيخ عن مقاتل بن حيان أنه كان يقرأ نلهو ونعلب {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} أي من أن يناله مكروه، والجملة في موضع الحال والعامل فيها فعل الأمر أو الجواب وليس ذلك من باب الأعمال كما قال أبو حيان لاْن الحال لا تضمر، وذلك الباب لابد فيه من الاضمار إذا أعمل الأول، وقد أكدوا مقالتهم بأصناف التأكيد من إيراد الجملة اسمية وتحليتها بأن واللام، وإسناد الحفظ إلى كلهم وتقديم {لَهُ} على الخبر احتيالًا في تحصيل مقصدهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8